قصيدة المهرولون للشاعر الكبير نزار قباني.. يهاجم فيها اتفاقيات أوسلو والطريقة التي تمت فيها..
(1)
سقطت آخر جدران الحياء
وفرحنا..
ورقصنا..
وتباركنا بتوقيع سلام الجبناء
لم يعد يرعبنا شيء
ولا يخجلنا شيء
فقد يبست فينا عروق الكبرياء..
(2)
سقطت..
للمرة الخمسين.. عذريتنا
دون أن نهتز.. أو نصرخ
أو يرعبنا مرأى الدماء
ودخلنا في زمان الهرولة
ووقفنا بالطوابير كأغنام أمام المقصلة
وركضنا.. ولهثنا..
وتسابقنا لتقبيل حذاء.. القتلة
(3)
جوعوا أطفالنا خمسين عاما
ورموا في آخر الصوم إلينا
بصلة...
(4)
سقطت غرناطة
للمرة الخمسين.. من أيدي العرب
سقط التاريخ من أيدي العرب
سقطت أعمدة الروح وأفخاذ القبيلة
سقطت كل مواويل البطولة
سقطت أشبيليا..
سقطت أنطاكية
سقطت حطين من غير قتال
سقطت عمورية
سقطت مريم في أيدي الميليشيات
فما من رجل ينقذ الرمز السماوي
ولا ثم رجولة....
(5)
سقطت آخر محظياتنا
في يد الروم، فعن ماذا ندافع؟
لم يعد في قصرنا جارية واحدة
تصنع القهوة.. والجنس
فعن ماذا ندافع ؟؟
(6)
لم يعد في يدنا..
أندلس واحدة نملكها
سرقوا الأبواب،
والحيطان،
الزوجات.. والأولاد..
والزيتون والزيت
وأحجار الشوارع
سرقوا عيسى بن مريم
وهو مازال رضيعا
سرقوا ذاكرة الليمون
والمشمش.. والنعناع منا
وقناديل الجوامع...
(7)
تركوا علبة سردين بأيدينا
تسمى (غزة)...
عظمة يابسة تدعى (أريحا)..
فندقا يدعى فلسطين
بلا سقف ولا أعمدة
تركونا جسدا دون عظام
ويدًا دون أصابع
(
لم يعد ثمة أطلال لكي نبكى عليها
كيف.. تبكى أمة
أخذوا منها المدامع ؟؟
(9)
بعد هذا الغزل السرى في أوسلو
خرجنا عاقرين
وَهَبونا وطنًا أصغر من حبة قمح
وطنًا نبلعه من غير ماء
كحبوب الأسبرين !!...
(10)
بعد خمسين سنة
نجلس الآن على الأرض الخراب
ما لنا مأوى.. كآلاف الكلاب !!
(11)
بعد خمسين سنة..
ما وجدنا وطنا نسكنه
إلا السراب.
ليس صلحا..
ذلك الصلح الذي أدخل كالخنجر فينا..
انه فعل اغتصاب !!...
(12)
ما تفيد الهرولة؟
ما تفيد الهرولة؟
عندما يبقى ضمير الشعب حيا
كفتيل قنبلة
(13)
كم حلمنا بسلام أخضر
وهلال أبيض
وببحر أزرق
وقلوع مرسلة
ووجدنا فجأة أنفسنا.. في مزبلة!!
(14)
من ترى يسألهم
عن سلام الجبناء ؟؟
لا سلام الأقوياء القادرين
من ترى يسألهم ؟
عن سلام البيع بالتقسيط
والتأجير بالتقسيط
والصفقات...
والتجار.. والمستثمرين؟
من ترى يسألهم؟
عن سلام الميتين..
أسْكَتوا الشارع
واغتالوا جميع الأسئلة..
وجميع السائلين...
(15)
وتزوجنا بلا حب
من الأنثى التي ذات يوم أكلت أولادنا
مضغت أكبادنا..
وأخذناها إلى شهر العسل..
وسكرنا ... ورقصنا..
واستعدنا كل ما نحفظ من شعر الغزل
ثم أنجبنا - لسوء الحظ - أولادا معاقين
لهم شكل الضفادع
وتشردنا على أرصفة الحزن
فلا من بلد نحضنه
أو من ولد !!
(16)
لم يكن في العرس رقص عربي
أو طعام عربي
أو غناء عربي
أو حياء عربي
فلقد غاب عن الزفة أولاد البلد.
لن تساوى كل توقيعات أوسلو خردلة!!..
(17)
كان نصف المهر بالدولار
كان الخاتم الماسي بالدولار
كانت أجرة المأذون بالدولار
والكعكة كانت هبة من أمريكا..
وغطاء العرس والأزهار والشمع
وموسيقى المارينز...
كلها قد صنعت في أمريكا...
(18)
وانتهى العرس... ولم تحضر فلسطين الفرح
بل رأت صورتها مبثوثة عبر كل الأقنية
ورأت دمعتها تعبر أمواج المحيط..
نحو شيكاغو .. وجيرسى.. وميامى..
وهى مثل الطائر المذبوح تصرخ:
ليس هذا العرس عرسي..
ليس هذا الثوب ثوبي..
ليس هذا العار عاري..
أبدًا... يا أمريكا...
أبدًا ... أبدًا.. يا أمريكا...
أبدًا ... يا أمريكا...